top of page

العد التنازلي لأسابيع الموضة

ما الذي يجعل باريس ونيويورك وميلانو ولندن العواصم الأربع الكبرى للموضة على الساحة العالمية؟


يشهد شهرا فبراير وسبتمبر قائمة من أبرز الأحداث على أجندة الموضة العالمية، حيث تتألق خلالهما العواصم الأربعة الكبرى بأسابيع الموضة العالمية التي تجمع مجتمع الموضة العالمي تحت سقف واحد. وعلى الرغم من استضافة العديد من المدن حول العالم لفعاليات هامة متعلقة بصناعة الأزياء على مدار العام، إلا أن هذه الأسابيع تمثل اللحظة الحاسمة التي تتوجه إليها أنظار العالم لمتابعة أحدث الصيحات والاتجاهات.


على منصات العرض المتألقة في باريس ونيويورك وميلانو ولندن، تتكشف أحدث إبداعات كبار المصممين والمواهب الصاعدة في عالم الأزياء، معلنة عن مجموعاتهم المرتقبة قبل أن تزين واجهات المتاجر العالمية. ولكن ما سر هذه الجاذبية التي تجعل هذه المدن الأربع حاضنة لأهم أسابيع الموضة في العالم؟ دعونا نغوص في أعماق هذا السحر...


باريس

تتربع باريس على عرش الموضة العالمية كمركز خالد للإبداع والأناقة، فهي مهد لعدد كبير من المصممين المرموقين مثل كوكو شانيل، وكريستيان ديور، وإلسا سكاباريلي، وإيف سان لوران، الذين تركوا بصمتهم الخالدة في تاريخ الأزياء. وعلى الرغم من أن أول أسبوع للموضة بالشكل الذي نعرفه اليوم انطلق في نيويورك عام 1943، إلا أن جذور هذا الحدث تعود إلى فرنسا في القرن التاسع عشر، حيث يُنسب الفضل في تقديم هذا المفهوم إلى تشارلز فريدريك وورث، الأب الروحي لمصممي الأزياء ومؤسس مفهوم الأزياء الراقية.


كان وورث شخصية بارزة في عالم الموضة الباريسي في خمسينيات القرن التاسع عشر، حيث أحدث ثورة في مفهوم تصميم الأزياء بتبنيه نهجاً مبتكراً. فبدلاً من اتباع الممارسة السائدة آنذاك، حيث كان صانعو الملابس يزورون منازل العملاء، قام وورث بدعوة الزبائن إلى مشغله الخاص، مما أتاح له تقديم تجربة شخصية وفريدة من نوعها، وعزز مكانته كأحد رواد صناعة الأزياء.


في خطوة طموحة لتوسيع أعماله، بدأ وورث في تنظيم عروض أزياء في مشغله مرتين في السنة، حيث أتاح لزبائنه فرصة مشاهدة أحدث مجموعاته عن كثب. وفي تحول جذري عن التقاليد السائدة، قام بعرض تصاميمه على عارضات أزياء حقيقيات بدلاً من الدمى. وعلى الرغم من أن هذه العروض كانت تهدف في المقام الأول إلى البيع، إلا أنها سرعان ما تطورت لتصبح ما يُعرف اليوم بـ "عروض الأزياء" أو défilés de mode، وهو مصطلح لا يزال يُستخدم في باريس حتى يومنا هذا. ومع مرور الوقت، انتقلت هذه العروض إلى أماكن عامة مرموقة، مثل مضامير السباق، وتطورت لتصبح أحداثاً اجتماعية بارزة تجذب الأنظار وتشكل حديث المجتمع.



بعد مرور قرن تقريباً على أول عرض صالون، وفي عام 1945 تحديداً، وضعت غرفة النقابات المهنية للأزياء الراقية معايير صارمة لتحديد دور الأزياء التي تستحق لقب "هوت كوتور" المرموق. أبرز هذه المعايير، اشتراط تقديم كل دار أزياء لمجموعة تضم 35 قطعة فريدة في كل موسم للصحافة، مما مهد الطريق لظهور مفهوم أسبوع الموضة الحديث الذي نعرفه اليوم.


تطورت هذه القواعد الصارمة لتصبح الأساس الذي قام عليه أول أسبوع رسمي للموضة في باريس عام 1973، والذي نظمه "الاتحاد الفرنسي للأزياء الراقية" كحدث خيري لجمع التبرعات اللازمة لتجديد قصر فرساي المهيب، الذي كان أيضاً المكان الذي احتضن هذا الحدث التاريخي. وفي عام 1984، أحدث المصمم الفرنسي المبدع تييري موغلر تحولاً جذرياً في عالم عروض الأزياء، حيث كسر التقاليد السائدة بتنظيم أول عرض أزياء مفتوح للجمهور، مما جعل هذه العروض متاحة للجميع وأخرجها من حيز النخبة.


نيويورك

تعتبر نيويورك موطناً لنخبة من المصممين البارزين مثل مايكل كورس ومارك جاكوبس، الذين يذهلون مجتمع الموضة موسماً بعد موسم بعروضهم المذهلة على منصات العرض. ومع ذلك، يُنسب الفضل لفريق متجر إيرليش براذرز في تنظيم أول عرض أزياء أمريكي في أوائل القرن العشرين، والذي استوحي من عروض الأزياء الباريسية، حيث سعى الفريق إلى جذب المزيد من المتسوقات من خلال عروض دورية مبتكرة، والتي سرعان ما حققت نجاحاً كبيراً. ألهم هذا النجاح المتاجر الكبرى الأخرى في الولايات المتحدة لتبني هذا النهج وتنظيم عروض الأزياء الخاصة بها، مما أسهم في ترسيخ مكانة نيويورك كمركز حيوي للموضة والأناقة.


في تلك الفترة، كان المصممون الأمريكيون لا يزالون ينظرون إلى فرنسا كمصدر إلهام رئيسي في عالم الموضة، ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية غير مجرى الأمور بشكل جذري. وفي خطوة جريئة لتسليط الضوء على المواهب الأمريكية، قامت خبيرة العلاقات العامة الشهيرة إليانور لامبرت بتنظيم سلسلة من العروض في نيويورك تحت اسم "أسبوع الصحافة". لم تكن هذه العروض موجهة للمشترين فحسب، بل كانت تستهدف بشكل أساسي الصحفيين الدوليين، بهدف نشر إبداعات المصممين الأمريكيين على نطاق واسع. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها الباهر، حيث ظهرت صور العروض في العديد من المنشورات العالمية المرموقة، مما أدى إلى اعتراف واسع النطاق بالإبداع والابتكار الذي يقدمه المصممون الأمريكيون.


في تلك الفترة، كان المصممون الأمريكيون لا يزالون ينظرون إلى فرنسا كمصدر إلهام رئيسي في عالم الموضة، ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية غير مجرى الأمور بشكل جذري. وفي خطوة جريئة لتسليط الضوء على المواهب الأمريكية، قامت خبيرة العلاقات العامة الشهيرة إليانور لامبرت بتنظيم سلسلة من العروض في نيويورك تحت اسم "أسبوع الصحافة". لم تكن هذه العروض موجهة للمشترين فحسب، بل كانت تستهدف بشكل أساسي الصحفيين الدوليين، بهدف نشر إبداعات المصممين الأمريكيين على نطاق واسع. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها الباهر، حيث ظهرت صور العروض في العديد من المنشورات العالمية المرموقة، مما أدى إلى اعتراف واسع النطاق بالإبداع والابتكار الذي يقدمه المصممون الأمريكيون.



ميلانو

بفضل أسماء لامعة مثل دولتشي آند غابانا وفيرساتشي وجورجيو أرماني، رسخت ميلانو مكانتها كعاصمة عالمية للموضة والأناقة. ولكن قبل أن تصل إلى هذه المكانة المرموقة، كانت فلورنسا هي التي مهدت الطريق لظهور مشهد الموضة الإيطالي في الخمسينيات. ففي الوقت الذي كانت فيه عروض الأزياء تكتسب زخماً عالمياً، قام الأرستقراطي الإيطالي جيوفاني باتيستا جيورجيني بتنظيم أول عرض أزياء في منزله عام 1951، حيث عرض تصاميم المصمم الشهير إميليو بوتشي والأخوات فونتانا الموهوبات. سرعان ما اكتسبت هذه العروض شهرة واسعة، وجذبت اهتمام المشترين والصحفيين والمصورين والعملاء البارزين من جميع أنحاء العالم، مما ساهم في وضع إيطاليا على خريطة الموضة العالمية.



حققت عروض الأزياء في فلورنسا نجاحاً باهراً، لدرجة أن التدفق الهائل للزوار تسبب في اضطرابات كبيرة في الحياة اليومية للمدينة. وفي إطار جهودها لتعزيز مشهد الموضة في البلاد، تأسست الغرفة الوطنية للأزياء الإيطالية في روما في أواخر الخمسينيات. وبعد دراسة متأنية، اختارت الهيئة ميلانو كعاصمة للموضة في إيطاليا، وجعلتها مقراً لأول أسبوع رسمي للموضة، الذي انطلق في عام 1958. بفضل وفرة مرافق الإنتاج المتطورة، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، سرعان ما أصبحت ميلانو الخيار الأمثل للعديد من دور الأزياء الإيطالية الفاخرة. وعلى مدى العقود التالية، ازدهرت المدينة كمركز للإبداع والأناقة، حيث احتضنت العديد من المصممين الإيطاليين المبدعين الذين ساهموا في ترسيخ مكانة ميلانو كعاصمة عالمية للموضة.



لندن

بفضل مصممين مبدعين مثل فيفيان ويستوود وألكسندر ماكوين، تمتلك لندن إرثاً غنياً من أكثر الإبداعات جرأةً وابتكاراً في عالم الموضة. وعلى الرغم من أنها كانت آخر مدينة تنضم إلى العواصم الأربع الكبرى في عام 1984، إلا أن أسبوع الموضة في لندن استطاع أن يحقق شهرة عالمية في فترة قياسية. على الرغم من أن أول عرض رسمي لأسبوع الموضة في لندن أقيم قبل أربعة عقود فقط، إلا أن بذور هذا الحدث البارز زرعها مصممون محليون مبدعون قبل سنوات طويلة.


يعود الفضل في تنظيم أول عرض أزياء معروف في لندن إلى خبير العلاقات العامة في مجال الموضة بيرسي سافاج، الذي أقام عرضاً لمجموعة لندن في السبعينيات، حيث سلط الضوء على أعمال مصممين بريطانيين رائدين مثل زاندرا رودس وبروس أولدفيلد، بينما زينت شخصيات بارزة مثل الأميرة مارغريت وبيانكا جاغر الصفوف الأمامية. ومع ذلك، فإن ولادة أسبوع الموضة في لندن بالشكل الذي نعرفه اليوم لم تحدث إلا في العقد التالي، مع تأسيس المجلس البريطاني للأزياء في عام 1983 وإقامة أول عرض رسمي للأزياء بعد عام واحد.


انطلق أول أسبوع للموضة في لندن من مكان غير متوقع، وهو موقف السيارات في معهد الكومنولث في كنسينغتون. وعلى مدى عقود، استمر هذا المكان في استضافة عروض الأزياء، حتى أن المصمم العالمي الشهير إيف سان لوران اختاره لتقديم أول عرض له في لندن. وقد حققت هذه العروض نجاحاً كبيراً، لدرجة أن الحكومة البريطانية تعهدت بتقديم التمويل اللازم لضمان استمرارها وتوسعها لتشمل مواقع أخرى في المدينة.



سرعان ما اكتسبت عروض الأزياء في لندن شهرة واسعة، وجذبت اهتمام شخصيات بريطانية بارزة وأفراد العائلة المالكة. ففي عام 1985، استضافت الأميرة ديانا حفل استقبال للمصممين في لانكستر هاوس، بينما حضرت رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر عرضاً في عام 1986، وأبدت اهتماماً كبيراً بالحدث على الرغم من جدول أعمالها المزدحم.

bottom of page