أصبح السفر عبر الزمن أقرب إلينا مما مضى مع افتتاح متحف المستقبل، أحدث معالم دبي الأكثر ابتكاراً حتى الآن، والذي يمثل علامة فارقة وتأكيداً على التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق مستقبل مشرق.
بدأ متحف المستقبل، الذي افتتح أبوابه مؤخراً واختير كأجمل مبنى على وجه الأرض، باستقبال زواره من مختلف أنحاء العالم. يقع المتحف في قلب إمارة دبي ويلوح عالياً فوق شارع الشيخ زايد، ويعد بنائه معجزة معمارية تقف بشموخ إلى جانب العديد من المباني المتلألئة في دبي.
لفت المتحف بتصميمه البديع وعبارات الخط العربي التي تزدان بها واجهته الأنظار في كل أنحاء العالم حتى قبل أن يُفتتح رسمياً. واليوم، أصبح هذا الهيكل المعماري الفريد المكون من سبعة طوابق بدون أعمدة، رمزاً جديداً براقاً يعكس فلسفة دبي التي تنظر بترقب إلى المستقبل.
ما هو متحف المستقبل؟
على عكس المتحف التقليدي الذي يعرض لمحات من التاريخ القديم والحديث مخلداً قروناِ مضت، يدعو متحف المستقبل بدبي زواره إلى "تخيّل مستقبلنا المشترك ولمسه وتشكيله".
لكن هذا المتحف أكبر من مجرد مكان لعرض الأدوات والمعدات الغريبة مثل الصقور الآلية (روبوتات) والسيارات ذاتية القيادة، حيث يأخذ زواره في رحلة إلى المستقبل وصولاً إلى عام 2071 من خلال عروض افتراضية، بحيث يمكنهم العيش في السماء واكتشاف عوالم جديدة في الفضاء الخارجي ومشاهدة عجائب الطبيعة واستطلاع مكتبة فريدة تمتلئ بعينات النباتات والحيوانات، وإنعاش حواسهم ورؤية العالم من خلال منظور جديد.
صُممت الرحلة بهذه الطريقة لتشجيع الزوار على استحضار هذه المعارف والعلوم وتطبيقها في حياتهم اليومية لإحداث التغيير في العالم. وعلى هذا الأساس، يهدف المتحف إلى أن يصبح منصة لدراسة المستقبل ومركزاً للبحوث الحية، مع التوجه لتغيير المعروضات باستمرار لتكون مرآة لعالم سريع التغير استعداداً لمستقبل أكثر إشراقا لم يأت بعد.
وتمزج هذه التجربة بأكملها بين العلم والفن والهندسة المعمارية، مما يجعل هذا التصور حقيقة في دبي - المدينة التي لا تقدم تطلعاً أو فكرةً غير طموحة جداً ولا يمكن توقع أي شيء فيها.
تحفة معمارية على سطح المبنى
إن الشكل البيضاوي غير المألوف لمبنى المتحف يجعله واحداً من أعقد مشروعات البناء التي نفذت حتى اليوم. وقد أُنشئ المبنى بدون أعمدة داخلية ويضم سبعة طوابق بارتفاع 77 متراً ويعتبر معجزة معمارية صممها المهندس المعماري شون كيلا المقيم في دبي.
وقد صُنع سطح المبنى بأكمله من الزجاج المتطور المصنوع بتقنيات حديثة لتحسين كفاءة العزل الحراري داخل المبنى وخارجه، كنموذج على الاستدامة.
وتمتد واجهة المبنى الفولاذية الضخمة المقاومة للصدأ على مساحة 17600 متراً مربعاً وتحتوي على 1024 لوحاً فولاذياً باستخدام أذرع آلية مؤتمتة تعكس روح الابتكار، وتصميمها يمثل تقديراً كبيراً للتقنيات التكنولوجية المتطورة جداً.
تتزين واجهة هذه التحفة المعمارية بـنقوش جميلة بالخط العربي كُتبت على مساحة بلغت 14 كيلومتراً من حروف الخط العربي، التي صممها الفنان الإماراتي مطر بن لاحج لعبارات خطها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تحمل إشادة بالماضي والحاضر والمستقبل.
ومن بين هذه الاقتباسات الملهمة بعض كلماته الشهيرة المدونة على الهيكل المعماري للمتحف: "لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين"، و"المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه. المستقبل لا ينتظر. المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم".
وفي لفتة إبداعية أخرى لهندسة المبنى، يمثل النص العربي نفسه نوافذ المبنى - بجانب وظيفته المعمارية التي تسمح بدخول ضوء النهار إلى الداخل وتضيء ليلاً لتضفي تأثيراً شاعرياً حالماً.
وتتأصل رمزية التصميم أيضاً في فلسفة بنائه. ويوضح مُصَمِم المبنى أن الهيكل الخارجي للمبنى يمثل عين تستشرف الغد بينما يعبر الفراغ في قلب الهيكل عن المجهول الذي يسعى البشر لكشف غموضه.
عالم من التجارب المثيرة
يستخدم متحف المستقبل أحدث تقنيات الواقع الافتراضي المعزز وتحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والعلاقة التفاعلية بين الإنسان والآلة، لمساعدة الزوار على معايشة تجارب مثيرة تجيب عن العديد من الأسئلة حول مستقبل البشرية والحياة الحضرية والمجتمعات والحياة في الفضاء الخارجي ومستقبل كوكب الأرض.
في حين أن هناك الكثير لتجربته، فهذا ما يمكن أن تتوقعه من زيارتك للمتحف.
كن رائد فضاء ليوم
انطلق إلى الفضاء على متن مركبة فضائية على بعد حوالي 600 كيلومتراً من الأرض. وخلال الرحلة، استمتع برؤية مشاهد رائعة لسواحل دبي من خلال شاشات مُصممة لتعمل كنوافذ أيضاً. وبمجرد أن ترسو المركبة الفضائية مع محطة الفضاء المدارية "أمل" المسماة باسم مدار مسبار الأمل في الإمارات العربية المتحدة، ستتاح للزوار فرصة اكتشاف ما سيكون عليه شكل الحياة داخل محطة فضائية عملاقة في المستقبل. وتجربة القيام بدور سفراء للاستيطان البشري على المريخ. كما يمكنهم ارتداء بدلات الفضاء أو الاكتفاء بإمتاع أنظارهم بالسماء الساحرة المليئة بالنجوم.
شاهد غابات الأمازون بمحاكاة الواقع
لمواجهة تحديات تغير المناخ، يستقبل معهد "إعادة تأهيل الطبيعة" الزوار ويريهم عجائب الطبيعة حية أمامهم من خلال عرض رقمي يحاكي الواقع للغابات الاستوائية المطيرة في الأمازون، يشاهدونها على شاشة كبيرة تظهر الحمض النووي البيئي للأمازون مع عرض صور حية للغابات المطيرة. ويستطيع الزوار كذلك اكتشاف العلاقة التفاعلية بين مئات الأنواع من الكائنات التي تنمو في هذه البيئة ومراقبة التفاصيل التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
مكتبة البصمة الوراثية
يوجد في المختبر أيضاً مكتبة للبصمة الوراثية أو الحمض النووي (DNA). حيث يجد الزائر هنا أكثر من 2400 عينة من الكائنات الحية الموجودة على الأرض معروضة داخل صناديق زجاجية. ويتيح هذا العرض المبهر للزوار معرفة المزيد عن المخلوقات الصغيرة والكبيرة التي عاشت على الكوكب منذ بدء الخليقة، بما في ذلك الثدييات والحَلقيات (نوع من اللافقاريات) والرخويات والنباتات.
أما الجزء المثير في هذا العرض فيشمل إمكانية "جمع" عدد قليل من الكائنات للعرض باستخدام جهاز متوفر في المتحف ثم إطلاقها في مرصد إعادة التأهيل بالمختبر حيث توضع في حاضنة. وعند إطلاق هذه العينات يستطيع الزوار رؤية التطور الذي أحدثته هذه المخلوقات على سلوكها وكيف أن وجودها يصحح النظام البيئي ويعززه.
خطوة إلى منتجع المستقبل
تحتل الصحة العقلية مركز الصدارة في منطقة الواحة التي صُممت لتشبه المنتجع الصحي في المستقبل. وفي هذه الواحة يُدعى الزوار إلى التوقف عن العمل وتجربة التأثير المنعش للتجول والتعافي السليم والتأمل. ويوجد أيضا أرضية رقمية مع سجادة خاصة تعطي إيحاءً للزائر بالسير على الشاطئ.
نهج مستقبلي
يعمل متحف المستقبل أيضاً كحاضنة للباحثين للخبراء وأصحاب الأفكار العالميين متجاوزاً بذلك دوره كمتحف. وفي الوقت الذي نستكشف فيه التحولات والتغيرات في مجالات العلوم والتنمية البشرية والاقتصاد ونتوقُعها، سيصبح هذا المَعلم البارز محوراً للمواهب الإقليمية والدولية. وسيصبح وجهة للرواد وأصحاب الأفكار من مختلف المجالات لاستعراض تقدمهم الفني والعلمي في كل المجالات بدءاً من التكنولوجيات المستقبلية إلى المدن الذكية، مما يمثل إسهاماً بارزاً للعالم بأسره.
Comments