top of page

استكشاف الفضاء

مع العودة المظفرة لرائد الفضاء سلطان النيادي بعد إكمال أطول مهمة فضائية عربية، نلقي نظرة على جهود استكشاف الفضاء في الشرق الأوسط والدور الرائد لدولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال

يوم الاثنين 18 سبتمبر 2023، عاد رائد الفضاء سلطان النيادي إلى أرض الإمارات العربية المتحدة بعد أن سجل بنجاح 4400 ساعة في الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية. انطلق النيادي، الذي بدأ رحلته في مارس 2023، أي قبل ستة أشهر، برفقة ثلاثة رواد فضاء آخرين في أطول مهمة فضائية عربية في التاريخ على متن كبسولة SpaceX Dragon ليصبح بذلك أول رائد فضاء عربي يقوم بنزهة فضائية، حيث قضى سبع ساعات خارج محطته المدارية. وقد جاء هذا الإنجاز الرائع على خطى رائد الفضاء هزاع المنصوري، الذي أصبح في عام 2019 أول إماراتي يصعد إلى الفضاء في مهمة استغرقت ثمانية أيام إلى محطة الفضاء الدولية.


وبالتأكيد، أًصبح رائدي الفضاء سفيرين لاستراتيجية الفضاء الطموحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث حققا إنجازات واضحة وضعت الدولة بين مصاف الدول الرائدة في صناعة الفضاء. ومع ذلك، فإن رحلة دولة الإمارات العربية المتحدة في استكشاف الفضاء تحمل في طياتها العديد من التطلعات الإضافية.


الاستراتيجية الوطنية للفضاء لدولة الإمارات العربية المتحدة

وفي عام 2017، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حاكم أبوظبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البرنامج الوطني للفضاء، والذي وضع استراتيجيات وأهدافاً متعددة في مجال استكشاف الفضاء، بما في ذلك مشاريع الأقمار الصناعية والمهمات المريخية والبعثات إلى كوكب القمر وغير ذلك. كما تم الإعلان عن برنامج مخصص لتدريب وإعداد رواد الفضاء الإماراتيين على مهام استكشاف الفضاء وفقاً لأعلى المعايير. وبعد مضي عامين فقط، كشف النقاب عن الاستراتيجية الوطنية للفضاء لعام 2030، والتي تهدف إلى تعزيز مساهمة قطاع الفضاء في الاقتصاد الوطني وتعزيز الحضور الدولي لدولة الإمارات في هذا المجال. وبذلك، أصبح استكشاف الفضاء جزءاً بارزاً ضمن أولويات البلاد الرئيسية للخمسين عاماً القادمة.


بدأت استثمارات الدولة تؤتي ثمارها منذ نجاح مهمتي النيادي والمنصوري، إلى جانب مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ، التي شهدت إطلاق مسبار الأمل في يوليو 2020 ودخوله إلى مدار حول المريخ في فبراير 2021. ومنذ ذلك الحين، أصدر المسبار 2.1 تيرابايت من البيانات حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، والتي تم توفيرها مجاناً للاستفادة منها في جميع أنحاء العالم. أدى هذا النجاح إلى تمديد البرنامج لمدة عامين إضافيين بهدف جمع المزيد من المعلومات حول الغلاف الجوي للكوكب ودراسة ديموس، أحد أقمار المريخ.

يعمل كل من مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الإمارات للفضاء بتنسيق وثيق على تنفيذ برنامج الفضاء. وإلى جانب مهمات رواد الفضاء والبرامج البحثية المستمرة، تتولى هاتين المؤسستين مهمة قيادة رؤية المريخ 2117 في الدولة والهادفة إلى إنشاء أول مستعمرة بشرية على الكوكب الأحمر. وفي عام 2022، أعلنت وكالة الإمارات للفضاء أيضاً عن استثمار ما يقرب من مليار دولار أمريكي في قطاع الفضاء من خلال إنشاء "الصندوق الوطني للفضاء" بهدف دعم المشاريع البحثية الجديدة وتطوير تكنولوجيا الفضاء، وتدريب المواهب الناشئة. يركز الاستثمار الأول للصندوق على تطوير وإطلاق كوكبة من أقمار التصوير المتقدمة ستقدم صوراً رادارية مفصلة ومتطورة لتستخدم في تحليل استخدام الأراضي ومتابعة تغيرات الغطاء الجليدي والتغيرات السطحية والتصنيفات البيئية لمواجهة التحديات العالمية الراهنة.


وفي مايو 2023، أطلقت دولة الإمارات أيضاً مشروعاً مدته 13 عاماً – مهمة الإمارات إلى حزام الكويكبات. وبعد ست سنوات من تطوير المركبة الفضائية، سينطلق المستكشف "راشد" في رحلة تمتد على مدى خمسة مليارات كيلومتر خارج كوكب المريخ لاستكشاف سبعة كويكبات في الحزام. ومن المتوقع أن تستمر هذه الرحلة سبع سنوات ليهبط في النهاية على الكويكب الأخير في عام 2034.


وبفضل هذه المشاريع المكتملة والجارية، تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على ترسيخ مكانتها كقوة عالمية رائدة في مجال استكشاف الفضاء.


الانضمام إلى سباق الفضاء

لا يقتصر اهتمام المنطقة باستكشاف الفضاء على دولة الإمارات العربية المتحدة فحسب. ففي وقت سابق من هذا العام، أرسلت هيئة الفضاء السعودية رائدي الفضاء، ريانة برناوي وعلي القرني، إلى محطة الفضاء الدولية كجزء من مهمة AX-2 التابعة لشركة اكسيوم سبيس. كما أطلقت الهيئة السعودية للفضاء برنامج تسريع الفضاء السعودي بتمويل بلغ 2.1 مليار دولار أمريكي العام الماضي بهدف تعزيز صناعة الفضاء في البلاد وكجزء من رؤية 2030.


وفي السياق ذاته، تنوي سلطنة عُمان بناء أول مجمع إطلاق فضائي في المنطقة في مدينة الدقم الساحلية. يُطلق على المشروع اسم "طلاق"، وهو قيد التطوير حالياً، إذ من المتوقع أن يستغرق استكماله حوالي ثلاث سنوات. ومن المخطط أيضاً إنشاء مشروع بحثي يُعرف باسم مركز الاستيطان الفضائي في الدقم، في حين ستدعم سياسة الفضاء الوطنية القطاع المتنامي في البلاد لمدة 10 سنوات. من ناحية أخرى، أطلقت الكويت مؤخراً أول قمر صناعي لها، وهو كويت سات-1، على متن صاروخ سبيس إكس فالكون 9، في حين تخطط وكالة الفضاء المصرية لإطلاق قمرين صناعيين قريباً.

تعتبر الجهود العالمية لاستكشاف الفضاء من أهم الوسائل التي تسهم في تحسين الحياة على كوكب الأرض بشكل كبير، وذلك من خلال دفع التقدم التكنولوجي وتعزيز المعرفة العلمية وتوفير فوائد اقتصادية هائلة. وتنعكس هذه الجهود في دول المنطقة، حيث يُنظر إلى قطاع الفضاء باعتباره عنصراً رئيسياً لتنويع اقتصاداتها الوطنية، وضمان النمو والازدهار المستدام في المستقبل من خلال الابتكار المستمر. وبمشاركتهم الفعّالة في جهود الاستكشاف الفضائي العالمية، يؤكد الشرق الأوسط التزامه بعدم الاكتفاء بمجرد متابعة ما يحدث في مجال الفضاء، بل أن يكونوا رواداً نشطين ومساهمين فعّالين في هذه الصناعة الحيوية.

bottom of page