top of page

الفن وآفاق جديدة

يستمر المشهد الفني في منطقة الشرق الأوسط بالتطور بفضل وجود المتاحف والمعارض الفنية عالمية المستوى وتنظيم الأحداث الدولية الفنية بشكل دوري

يمكن أن نقول بأنه لا يمكن أن يكون هناك وقت أفضل لتكون فناناً في منطقة الشرق الأوسط. شعور يتبادر إلى أذهان العديد من المبدعين الذين يستعدون حالياً لتقديم عروضهم في المنطقة، حيث ينطلق الموسم الفني بقوة. ومن المقرر أن تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة قريباً مجموعة مميزة من الفنانين المعروفين والناشئين من جميع أنحاء العالم بمناسبة افتتاح فعاليات أسبوع دبي للتصميم وفن أبوظبي في نسختيهما لهذا العام. وفي مكان آخر من المنطقة، يستعد معرض We Design Beirut ومهرجان قطر الدولي للفنون والعديد من المعارض الفنية الأخرى لاستقبال زوارهما خلال الفترة المقبلة. وما من شك بأن هذه الفعاليات ساهمت في تعزيز مكانة منطقة الشرق الأوسط على خريطة الفن العالمي وترسيخها كوجهة فنية رئيسية.


الماضي يلتقي الحاضر

يتمتع الشرق الأوسط بتاريخ عريق من الفن والتعبير الثقافي تعود جذوره إلى الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر وبلاد فارس. وهناك العديد من الاكتشافات المذهلة والأعمال الفنية الرائعة المعروضة حالياً في المتاحف في جميع أنحاء العالم والتي تعود أصولها إلى هذه الثقافات القديمة، بما في ذلك أعمال فنية مثل الفخار والحرف اليدوية والمنحوتات والنقوش وغيرها الكثير. وقد أسهم هذا النسيج المتنوع والغني من الفنون بشكل كبير في تطور المشهد الفني الحديث في المنطقة، بما يعكس بشكل مثالي التاريخ المشترك للإنسانية. وبالفعل، غالباً ما يلتفت الفنانون المعاصرون من المنطقة إلى هذا التراث الثري كمصدر رئيسي للإلهام، حيث يقدمون أعمالاً تمزج بشكل متقن ومبدع بين القديم والجديد.


وفي سعيها لدعم هؤلاء الفنانين والمحافظة في الوقت نفسه على التراث الفني الثري للمنطقة، شهدت السنوات القليلة الماضية تحولات ملحوظة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لتصبح عواصمها مراكزاً مهمة للفن المعاصر. وشهدنا افتتاح صالات فنية ومتاحف عالمية المستوى، وكذلك زيادة في عدد المعارض والأسواق الفنية وبرامج إقامة الفنانين. كل هذه المبادرات والمنصات ساهمت بشكل كبير في تمكين المواهب الفنية ومنحهم الفرصة للتعبير عن إبداعهم بحرية.

من جانبها قالت ديالا نسيبة، مديرة فن أبوظبي، والتي أتيحت لنا فرصة التعرف عليها قبل افتتاح الدورة الخامسة عشر للمعرض: "بشكل عام، لم يكن المشهد الفني بهذا الكم من التنوع والازدهار مثلما نشهده اليوم، وهذا التغيير يعود إلى القيادة الحكيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي جعلت الثقافة محوراً أساسياً في رؤيتها لتحقيق الرخاء المستقبلي وتعزيز التماسك الاجتماعي والرفاهية".


وأكدت نسيبة أن هناك العديد من العوامل التي ساهمت في تشكيل هوية المنطقة وتعزيز مكانتها كوجهة بارزة في المشهد الفني، ومن هذه العوامل افتتاح عدد من المتاحف المهمة مثل متحف اللوفر أبوظبي عام 2017، بالإضافة إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها مؤسسات عريقة في هذا المجال مثل مؤسسة الشارقة للفنون، ومؤسسة بارجيل، ومعرض 421، وجامعة نيويورك أبوظبي.


خارج حدود دولة الإمارات العربية المتحدة، يتميز الشرق الأوسط بالعديد من المؤسسات الفنية البارزة، مثل المتحف العربي للفن الحديث في قطر، ومركز الملك عبد العزيز للثقافة العالمية (المعروف أيضاً باسم إثراء) في المملكة العربية السعودية، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، ومتحف سرسق في لبنان، ومتحف الفنون التركية والإسلامية في إسطنبول، ومتحف طهران للفن المعاصر، ومركز الجزيرة للفن الحديث وغيرها من المراكز الهامة الأخرى. وهناك مزيد من المشاريع الفنية الكبيرة قيد التطوير والإنشاء في المنطقة. على سبيل المثال، بمجرد افتتاح متحف جوجنهايم أبوظبي ومتحف زايد الوطني، ستصبح جزيرة السعديات في أبوظبي قريباً أكبر مركز فني في العالم، حيث سيتجمع فيها مجموعة ضخمة من الأماكن الثقافية والفنية.


علاوةً على ذلك، تُقدم المعارض والفعاليات الفنية الدولية المقامة في المنطقة، مثل فن أبوظبي، وأسبوع دبي للتصميم، وآرت دبي، وغيرها، برامج إقامة سنوية للفنانين بهدف صقل مهاراتهم وتطوير إبداعاتهم. وشكّل تطوير المراكز الفنية المخصصة، مثل السركال أفينيو في دبي، إضافةً مهمة لتعزيز مكانة المنطقة كوجهة مثالية للمواهب الإبداعي


وتابعت نسيبة: "تتوفر حالياً مجموعة كبيرة من الفرص للفنانين الطموحين في المنطقة، بما في ذلك توفير إقامات خاصة للفنانين، ووجود مجتمع فني غني يقدم العديد من الفرص للقاء والتواصل مع زملائهم الفنانين.

ولا ننسى التخصصات الفنية التي أصبحت متاحة في الجامعات، مما يمنح الفنانين فرصة لتعلم تقنيات جديدة لم تكن متاحة في السابق. كل هذا ساهم في توجيهنا نحو الوضع الذي نستمتع به في الوقت الحالي".


سوق فنية مزدهرة

شهدت السوق الفنية في المنطقة تحولات كبيرة، حيث تطورت من سوق ضعيف نسبياً في البداية يعتمد بشكل رئيسي على المزادات إلى سوق راسخ ومتين. وعلقت نسيبة على ذلك قائلة: " إذا نظرنا إلى عام 2009 بشكل خاص، سنجد أن دبي شهدت بيع العديد من القطع الفنية المثيرة بأسعار منخفضة، وخاصة تلك التي تم إنتاجها في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة بشكل عام. وبعد ذلك، بدأت فترة من إعادة التقييم، وبحلول عام 2013، بدأت السوق تستعيد استقرارها تدريجياً".


وبينما كان لهذا التحول تأثير إيجابي على حياة للفنانين في المنطقة، إلا أن افتتاح المتاحف وصالات العرض، بالإضافة إلى تدشين برامج الإقامة، أضاف بعداً أكثر عمقاً إلى البيئة الفنية. وأضافت نسيبة: "نحن على وشك البدء بجني ثمار العمل الجاد الذي بذلناه".

لنستعرض فن أبوظبي كمثال، والذي بدأ باسم آرت باريس في عام 2007 ثم شهد تطوراً كبيراً عندما تم تحويله إلى فن أبوظبي في عام 2019 مع اعتماد هوية فريدة خاصة به. في نسخته الأولى، شهد المعرض مشاركة بين 40 و50 صالة عرض، مما ساهم في جذب أعمال فنية هامة إلى المنطقة حتى قبل الإعلان عن أي من المتاحف الجديدة. وفي الوقت الحالي، تضاعفت عدد المشاركين ليصل إلى أكثر من 90 صالة عرض في النسخة القادمة. وبحسب تعبير نسيبة: "يُعَرِّف فن أبوظبي الآن نفسه ليس فقط كمكان لاكتشاف الفن، بل أيضاً كمكان لإجراء أبحاث عميقة حول الفنانين. لذا، فإنه يوفر فرصة لأي شخص يرغب في استكشاف المزيد عن تاريخ الفن في المنطقة".


ينطبق النهج نفسه على المعارض الأخرى في دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية أنحاء المنطقة، حيث تأتي جميعها لتعزيز المشهد الفني متعدد الأوجه والمتطور في منطقة الشرق الأوسط التي تواصل تقديم المساهمات بشكل دائم في الساحة الفنية العالمية، وتجاوز الحدود الجغرافية لتعزيز التفاهم بين الثقافات من خلال التعبير الإبداعي.

bottom of page