top of page

رحلة عبر البرية: أروع هجرات الحيوانات في الطبيعة

ننطلق في رحلة لاستكشاف بعض من أكثر قصص هجرة الحيوانات روعةً، بدءاً من السافانا الأفريقية الشاسعة وحتى المياه الجليدية في القطب الشمالي، حيث تنسج رفرفة أجنحة الفراشات الملكية الناعمة وأصوات طيور النوء القطبية الحزينة الإيقاعات الموسمية للكوكب



على مدّ الأفق في الطبيعة الشاسعة، قلة من الظواهر يمكنها أن تنافس الهجرات الملحمية التي تقوم بها ملايين الحيوانات سنوياً. مدفوعة بغرائزها البدائية والحاجة إلى تأمين الغذاء والمأوى وأماكن التكاثر، تتحدى هذه الحيوانات حدود القدرة على التحمل بينما تجتاز آلاف الأميال براً أو بحراً أو جواً في سعيها للحصول على القوت والبقاء على قيد الحياة.


من سهول أفريقيا الواسعة إلى المناطق النائية في القارة القطبية الجنوبية، تنبض مملكة الحيوان بطاقة لا تهدأ، تتماشى مع إيقاعات الفصول، حيث تشرع المخلوقات الكبيرة والصغيرة على حد سواء، في رحلات استثنائية عبر القارات والمحيطات.


الهجرة العظيمة

تعتبر الرحلة السنوية للحيوانات البرية في أفريقيا التي يترأسها وحيد القرن، واحدةً من أعظم المشاهد الطبيعية على وجه الأرض، وهي من الهجرات القليلة المتبقية والمكتملة للحيوانات البرية في العالم. يُعلن الصدى المدوي لآلاف الحوافر التي تصخب عبر السهول الشاسعة، وعبورها للنظام البيئي لسيرينغيتي مارا الممتد عبر تنزانيا وكينيا، عن بداية رحلة مذهلة تقطع ما يقارب 2000 كيلومتر عبر الامتداد الشرقي للقارة الأفريقية.



بعد موسم الولادة في منطقة سيرينغيتي بتنزانيا، ينطلق في الربيع أكثر من مليون حيوان وحيد قرن، ترافقها الحمير الوحشية والغزلان، بحثاً عن المراعي الخضراء في رحلة تمتد حتى أشهر الصيف. وفي خضم هذه الهجرة، يتكشف المشهد الأكثر إثارةً عند عبور نهر جروميتي، الذي يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه القطيع، حيث تتربص تماسيح النيل تحت سطح المياه. ومع ذلك، تتحد هذه الحيوانات المهيبة إدراكاً منها لأهمية قوة العدد، وتتجمع لتشكل قطيعاً هائلاً لتبحر بشجاعة عبر التيارات الغادرة للوصول إلى الأراضي العشبية الخصبة في ماساي مارا بكينيا.


درب الفراشة الملكية

على الرغم من تواجدها في جميع أنحاء العالم، فإن الفراشة الملكية التي تتخذ من أمريكا الشمالية موطناً لها، تُعرف بسلوك هجرتها الاستثنائي عبر الأجيال. تشرع هذه المخلوقات الرقيقة في رحلة مذهلة تمتد لمسافة تزيد عن 4800 كيلومتر، وتطير من الغابات المغطاة بالصقيع في كندا إلى الجبال المشمسة وسط المكسيك.



على خلفية تغير الفصول، تغادر الفراشات الملكية موطنها الشمالي، متحديةً الرياح والطقس أثناء توجهها نحو ملاذاتها الجنوبية وسط غابات التنوب الصنوبرية (أوياميل) الواقعة بالقرب من جبال سييرا مادري، حيث تتلاقى في مجموعات ضخمة لتتحمل أشهر الشتاء. ومع حلول فصل الربيع، تبدأ الفراشات الملكية رحلتها شمالاً مرة أخرى.


تمرُّ رحلة فراشة الملك عبر ثلاثة إلى خمسة أجيال لإكمال دورة هجرتها. على طول المسار، تضع الإناث البيض على نبات الصقلاب، الذي يوفر القوت الأساسي لليرقات الناشئة. ثم ينطلق نسلها لمواصلة هذه الرحلة، ويتتبعون المسار الذي شقّه أسلافهم.


رحلة الفلامنجو

على خلفية ناطحات السحاب الشامخة في دبي، يُشكل تحليق ريش الطيور الوردية في الأراضي الرطبة المتلألئة بمحمية رأس الخور للحياة البرية مشهداً مذهلاً. مع حلول فصل الشتاء كل عام، يستبدل الفلامينغو الوردي الكبير المناظر الثلجية لمناطق تكاثره في أوروبا وآسيا الوسطى بدرجات الحرارة المعتدلة في الإمارات العربية المتحدة، حيث يطير لمسافة تتراوح بين 1200 و8500 كيلومتر للوصول إلى هنا.



وعلى الرغم من توجه معظم الطيور غرباً نحو وجهات هجرتها النهائية على طول شواطئ البحر الأحمر أو شرق إفريقيا، إلا أن جزءاً من هذه المخلوقات يختار تمديد إقامته في الإمارات حتى أواخر أشهر الصيف. بينما يتجمع بعض الفلامينغو في بحيرات القدرة بدبي، يلجأ البعض الآخر إلى محمية الوثبة للأراضي الرطبة في أبوظبي أو محمية بو السياييف البحرية.


هجرة النورس القطبي

تشتهر طيور النورس القطبية، التي تحلق من القطب إلى القطب كل عام، بإتقانها السفر لمسافات طويلة، حيث تقوم بواحدة من أطول عمليات الهجرة بين أي نوع من الطيور. وبفضل أجنحتها المذهلة، تتنقل هذه الطيور الرائعة حول العالم، مسافرةً من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي ثم العودة مرة أخرى.



وخلال هذه الرحلة الشاقة من أقصى نقاط الأرض يقضي طائر النورس القطبي معظم العام - ومعظم حياته - في البحر سعياً وراء صيف لا ينتهي. ومع اقتراب الشتاء شديد البرودة والظلام في مناطق تكاثره في القطب الشمالي، يشرع النورس في رحلته جنوباً إلى القطب الجنوبي، حيث يكون الصيف قد بدأ للتو.


طريق هجرة النورس القطبي ليس مساراً مباشراً من القطب إلى القطب، بل يتعرج ويتلوى، مما يجعل رحلته السنوية أطول من المسافة المقدرة بـ 30 ألف كيلومتر تقريباً من الدائرة القطبية الشمالية إلى الدائرة القطبية الجنوبية. في عام 2016، حطم نورس قطبي موسوم الرقم القياسي لأطول هجرة طائر معروفة، حيث قطع ما يقرب من 96 ألف كيلومتر من مناطق تكاثره في جزيرة قبالة سواحل إنجلترا إلى القارة القطبية الجنوبية، ثم عاد مرة أخرى.


مسيرة السرطان الأحمر

تُعد الغابات المطيرة في جزيرة كريسماس، التي تقع على بعد 1500 كيلومتر من البر الرئيسي الأسترالي، موطناً لأكثر من 120 مليون من السرطان الأحمر، والتي تعيش عادة في جحور ترابية أو شقوق صخرية عميقة على مدار السنة. ومع ذلك، فإن بداية موسم الأمطار تؤدي إلى ظاهرةً ملحوظة، حيث تدفع الأمطار الغزيرة السرطانات الحمراء للخروج من مساكنها الآمنة في الغابات والاندفاع المحموم نحو الساحل. عند الوصول إلى حافة المحيط، تضع إناث السرطان الأحمر بيوضها في البحر، مما يؤدي إلى تعتيم المياه بشكل مؤقت. وبعد أن تفقس، يتحول مشهد الخط الساحلي إلى عرض مذهل تزينه السرطانات الصغيرة، حيث يتماهى اللون الأحمر مع الأخضر الزمردي المورق للنباتات المحيطة. وبعد وصولهم إلى الشاطئ بفترة وجيزة، يخضع صغار السرطان لعملية انسلاخ الجلد، وتتخلص من هويتها البحرية لتظهر كنسخ مصغرة من شكلها البالغ، وتبدأ بعد ذلك رحلة الصعود إلى الغابة، إيذانا ببدء رحلة حياتهم.



هجرة الحوت الأحدب

بجسمه الممتلئ على شكل برميل يصل طوله إلى 50 قدم وزعانفه الممتدة كأجنحة كبيرة، فإن الحوت الأحدب لا يعُد مخلوقاً سريعاً، إلا أن هذا العملاق البحري يُعرف برحلات هجرته المذهلة بين مناطق التكاثر في المياه الدافئة خلال الشتاء ومناطق التغذية في المياه الباردة خلال الصيف.



تقوم الحيتان الحدباء بواحدة من أطول الهجرات لأي من الثدييات، حيث تسبح الحيتان المقيمة في نصف الكرة الشمالي من المضايق الجليدية في ألاسكا إلى مياه هاواي المعتدلة. وعلى خلفية الجبال الشاهقة والبحار الفيروزية، تبرز هذه المخلوقات المهيبة وتغوص، وتقطع مسافة تقارب 26 ألف كيلومتر سنوياً. تتغذى نظيراتها الجنوبية قبالة سواحل القارة القطبية الجنوبية وتهاجر إلى المياه الاستوائية قبالة كوستاريكا خلال أشهر الشتاء لتربية ورعاية صغارها.


خلال رحلتها، تسافر هذه الحيتان العملاقة بوتيرة هادئة، حيث تتراوح متوسط سرعتها ا ما بين أربعة إلى ثمانية كيلومترات في الساعة. ومع ذلك، فإن قدرتها على التحمل مذهلة، حيث تحافظ على هذه الوتيرة الثابتة ليلاً ونهاراً، وتقطع مسافات تصل في المتوسط إلى 160 كيلومتراً في يوم واحد، وتكمل هجرتها الطويلة في غضون شهر أو شهرين.

bottom of page